إنه أنس بن مالك رضي الله عنه، الذي لازم النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن هاجر وإلى ان انتقل إلى الرفيق الأعلى وصحبه في غزواته وبايع من بايعوا تحت الشجرة، يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: هو”الإمام ، المفتي ، المقرئ ، المحدث ، راوية الإسلام ، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني ، خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقرابته من النساء ، وتلميذه ، وتبعه ، وآخر أصحابه موتا”.
يروي أنس بن مالك رضي الله عنه قصته بنفسه فيقول : جاءت أم سليم –وهي أم أنس- رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بخمارها وردتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله هذا أنيس أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده، وفي لفظ آخر: اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر له.
يقول أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي تعادون دون علي نحو المائة، ويروي الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ثابت عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته، فالله أكثر مالي حتى إن كرما لي لتحمل في السنة مرتين وولد لصلبي مائة وستة.
ويروي الذهبي عن عظم البستان الذي كان لأنس وكبره فيقول عن أبي خلدة قلت لأبي العالية : سمع أنس من النبي – صلى الله عليه وسلم – ؟ قال : خدمه عشر سنين ، ودعا له ، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين ، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك.
بل اتسعت أرضه حتى كانت تمطر السحابة في أول أرضه ولا تتعد آخرها إلا قليلًا، فيروي ثابت البناني انه قد جاء قيم أرض أنس رضي الله عنه، فقال: عطشت أرضوك، فصلى أنس رضي الله عنه صلاة الاستسقاء، فيقول الراوي، خرج إلى البرية ثم صلى ودعا، فثارت سحابة وغشيت أرضه ومطرت حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف، فأرسل أنس بعض أهله ليرى أين بلغت المطر، فإذا هي لم تعد أرضه إلا يسيرًا.
وقد كان أنس رضي الله عنه في خدمة رسول الله تسع سنين وشرب من علم النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه الأحاديث، وعاش بعده عمرًا حتى حكم عبد الملك بن مروان وعامله الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد ناله من ظلم الحجاج فكتب إلى عبد الملك يقول: قد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة ، فقال : يا غلام ، اكتب إلى الحجاج : ويلك قد خشيت أن لا يصلح على يدي أحد ، فإذا جاءك كتابي ، فقم إلى أنس حتى تعتذر إليه ، فلما أتاه الكتاب ، قال للرسول : أمير المؤمنين كتب بما هنا ؟ قال : إي والله ؛ وما كان في وجهه أشد من هذا . قال : سمعا وطاعة ، وأراد أن ينهض إليه ، فقلت : إن شئت ، أعلمته . فأتيت أنس بن مالك ، فقلت : ألا ترى قد خافك ، وأراد أن يجيء إليك ، فقم إليه . فأقبل أنس يمشي حتى دنا منه ، فقال : يا أبا حمزة غضبت ؟ قال : نعم . تعرضني بحوكة البصرة ؟ قال : إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال : ” إياك أعني واسمعي يا جارة ” أردت أن لا يكون لأحد علي منطق.
اختلف حول توقيت موت أنس رضي الله عنه، فقيل أنه مات سنة إحدى وتسعين من الهجرة وقيل اثنيتين وتسعين وقيل ثلاث وتسعين وهو ما اختاره الذهبي واعتبره الأصح، وعلى هذا يكون قد طال عمر أنس رضي الله عنه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ مائة وثلاث سنين.