عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ رواه مسلم (560).
والأخبثان: البول والغائط.
وعلة هذا النهي : أن المدافعة قد تخل بأفعال الصلاة ، وخشوعها، كما هو معلوم من حال الحاقن إذا صلى على هذه الحال، ولهذا ألحقوا بالبول والغائط: كل ما يشغل المصلي ويستطيع دفعه، كالريح أو القيء وغير هذا.
قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:
” قوله: ” ولا وهو يدافُعُه الأخبثان ” أي: ولا يصلي ، والحال أنه : يدافعه الأخبثان، وهما البول والغائط؛ وذلك لعدم التفرغ إلى العبادة بقلب فارغ ” انتهى من”شرح سنن أبي داود” (1 / 247).
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” وقد أجمعوا: أنه لو صلى بحضرة الطعام، فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئا : أن صلاته مجزية عنه، وكذلك إذا صلى حاقنا فأكمل صلاته.
وفي هذا دليل على أن الصلاة بحضرة الطعام إنما هو؛ لئلا يشتغل قلب المصلي بالطعام، فيسهو عن صلاته ، ولا يقيمها بما يجب عليه فيها.
وكذلك الحاقن؛ وإن كنا نكره لكل حاقن أن يبدأ بصلاته في حالته، فإن فعل، وسلمت صلاته: جَزَت عنه، وبئس ما صنع.
والمرء أعلم بنفسه، فليست أحوال الناس في ذلك سواء، ولا الشيخ في ذلك كالشاب، والله أعلم ” انتهى من”الاستذكار” (6 / 206).
وبناء على هذه العلة؛ وهي: أن المدافعة تشغل المصلي عن صلاته، فإن النهي يكون للتحريم؛ إذا كانت هذه المدافعة تخل بواجبات الصلاة ، أو أركانها .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” أجمع العلماء على أنه لا ينبغي لأحد أن يصلي وهو حاقن إذا كان حقنه ذلك يشغله عن إقامة شيء من فروض صلاته، وإن قلّ ” انتهى من “الاستذكار” (6 / 205).
وأما إذا كانت المدافعة خفيفة لا تخل بواجبات الصلاة؛ فيكون حكم هذه المدافعة الكراهة؛ لأنها لم توقع المصلي في ترك الواجبات، وإنما في أمر مكروه، وهو عدم تمام حضور القلب؛ لأن المدافعة لا بد وأن تشغل المصلي ولو قليلا عن تدبر صلاته.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” واختلفوا فيمن صلى وهو حاقن إلا أنه أكمل صلاته:
فقال مالك فيما روى بن القاسم عنه: إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإنني أحب أن يعيد في الوقت وبعده.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبد الله بن الحسن: يكره أن يصلي وهو حاقن، وصلاته جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئا من فروضها ” انتهى من”الاستذكار” (6 / 205).
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
” ومدافعة الأخبثين: إما أن تؤدي إلى الإخلال بركن، أو شرط، أو لا.
فإن أدى إلى ذلك، امتنع دخول الصلاة معه.
وإن دخل واختل الركن ، أو الشرط: فسدت بذلك الاختلال.
وإن لم يؤد إلى ذلك : فالمشهور فيه الكراهة ” انتهى من “إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام” (1 / 146).
والله أعلم.